فصل: ومن الرواية عنه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: طبقات الشافعية الكبرى **


الطبقة الثانية

فيمن توفى بعد المائتين ممن لم يصحب الشافعى وإنما اقتفى أثره واكتفى بمن استطلع خبره واصطفى طريقه الذى أطلع فى دياجى الشكوك قمره

41 أحمد بن سيار بن أيوب أبو الحسن المروزى

الزاهد الحافظ أحد الأعلام

سمع عفان وسليمان بن حرب وعبدان ومحمد بن كثير وصفوان بن صالح الدمشقى وإسحاق بن راهويه ويحيى بن بكير وطبقتهم

وروى عنه النسائى ووثقه وقال فى موضع آخر ليس به بأس وابن خزيمة ومحمد بن نصر المروزى وحاجب الطوسى وخلق

وفى صحيح البخارى حدثنا أحمد حدثنا محمد بن أبى بكر المقدمى فقيل إن أحمد المشار إليه هذا

وكان يشبه بابن المبارك فى زمانه

وهو مصنف تاريخ مرو

وتوفى فى ربيع الآخر سنة ثمان وستين ومائتين وقد استكمل سبعين سنة

ومن مسائله قوله إن المصلى إذا لم يرفع يديه للافتتاح لا تصح صلاته

قال ابن الصلاح وقد نظرت فلم أجد ذلك محكيا عن أحد

قلت سيأتى إن شاء الله تعالى فى ترجمة ابن خزيمة ما يوافقه

ونقله النووى فى تهذيب الأسماء عن داود

ومنها أنه قال بإيجاب الأذان للجمعة دون غيرها

42 أحمد بن عبد الله بن سيف أبو بكر السجستانى

حكى أنه سمع المزنى يقول وقد سئل عمن تزوج امرأة على بيت شعر يجوز على معنى قول الشافعى إذا كان مثل قول القائل

يريد المرء أن يعطى مناه ** ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتى ومالى ** وتقوى الله أكرم ما استفادا

وروى عن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعى رضى الله عنه أنه سمع رجلين يتعاتبان والشافعى يسمع كلامهما فقال لأحدهما إنك لا تقدر أن ترضى الناس كلهم فأصلح ما بينك وبين الله ولا تبال بالناس

ذكره الحافظ أبو سعد بن السمعانى فى ترجمة الحافظ أبى مسعود عبد الجليل بن محمد بن كوتاه

وروى عن المزنى قال قال الشافعى فيمن تكشف فى الحمام إنه لا تقبل شهادته لأن الستر فرض

43 أحمد بن الحسين بن سهل أبو بكر الفارسى

صاحب عيون المسائل إمام جليل

وهو ممن استبهم على أمره ففى طبقات أبى عاصم العبادى ذكره فى الطبقة

الثانية مع ابن خزيمة وأنظاره قبل أبى عبد الله البوشنجى ومحمد بن نصر وغيرهما وقضية هذا أن يكون أخذ عمن لقى الشافعى رضى الله عنه ويؤيد ذلك أن محمود الخوارزمى ذكر أنه تفقه على المزنى وأنه أول من درس مذهب الشافعى ببلخ برواية المزنى كذا نص عليه فى ترجمة أبى الحياة محمد بن أبى قاسم عبد الله ابن أبى بكر محمد بن أبى على الحسن بن أبى الحسن على بن الإمام أبى بكر أحمد بن الحسن بن سهل وقال سمعته يعنى أبا الحياة يذكر أن سهلا الذى فى نسبه من التابعين

ويوافق هذا قول من قال إن أبا بكر الفارسى توفى سنة خمس وثلثمائة قبل ابن سريج وهو ما ذكرته فى الطبقات الوسطى لكنى على قطع بأن صاحب عيون المسائل توفى بعد ابن سريج لأنى رأيت أصلا أصيلا من كتابه موقوفا بخزانة المدرسة البادرائية بدمشق ومما دلنى على أنه كتب فى حياته قول كاتبه فيما دعا به لمصنفه مد الله فى عمره وأدام عزه وذكر فى آخر الجزء الأول منه أنه فرغ منه ليلة الأحد لليلة مضت من ذى الحجة سنة تسع وثلاثين وثلثمائة بسمرقند فى ولاية الأمير أبى محمد نوح بن نصر مولى أمير المؤمنين هذه صورة خطه وذكر فى آخر الكتاب أنه فرغه فى شوال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة وهذه النسخة مجزأة ثمانية أجزاء ضمن مجلد واحد وقد استكتبت منها نسخة ليحيى هذا الكتاب فإنى لم أجد به إلا هذه النسخة

وفيما ذكرته ما يدل على أنه كان موجودا سنة تسع وثلاثين وثلثمائة ويوافق هذا منام لابن سريج شهير ممن حكاه عنه أبو بكر الفارسى سنذكره فى ترجمة ابن سريج إن شاء الله مع قرائن محققة بأنه من تلامذة ابن سريج وعند هذا قد يقف الذهن أو يقضى بأنهما فارسيان ولا شك أن لنا فارسيين أحدهما أبو بكر صاحب العيون والثانى أبو محمد أحمد بن ميمون الذى ذكره الأصحاب منهم الرافعى عند نقلهم عنه

أن الأمة إذا سلمت لزوجها فى الليل دون النهار يجب لها نصف النفقة

أما فارسيان كل منهما أبو بكر فبعيد وبتقديره فكل منهما أبو بكر أحمد بن الحسن بن سهل أبعد وبتقديره فما صاحب العيون بمتقدم على ابن سريج ولا بتلميذ للمزنى ولا بمدرك زمانه قطعا وقد قضى العبادى بأن أبا بكر الفارسى هو صاحب العيون وكتاب الانتقاد وغيرهما فكيف هذا وليقع الاكتفاء بترجمة صاحب العيون فإنه المذكور فى بطون الأوراق وليكن ذكره فى الطبقة الثالثة فيمن توفى بعد الثلثمائة فذكره هناك أحق منه هنا

44 أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب الإمام أبو محمد ويقال أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعى رضى الله عنهم

كذا ساق نسبه الشيخ أبو زكريا النووى رحمه الله فى باب الحيض من شرح المهذب وقال إنه يقع فى اسمه وكنيته تخبيط فى كتب المذهب وإن المعتمد هذا الذى ذكره وإن أمه زينب بنت الإمام الشافعى وإنه روى عن أبيه عن الشافعى

وقال كان إماما مبرزا لم يكن فى آل شافع بعد الشافعى مثله سرت إليه بركة جده

قال وقد ذكرت حاله فى تهذيب الأسماء وفى الطبقات

45 أحمد بن نصر بن زياد أبو عبد الله القرشى النيسابورى

المقرى الزاهد الرحال

روى عن عبد الله بن نمير وابن أبى فديك وأبى أسامة والنضر بن شميل وجماعة

سمع منه أبو نعيم وهو من شيوخه

وحدث عنه الترمذى والنسائى وابن خزيمة وأبو عروبة الحرانى

قال الحاكم كان فقيه أهل الحديث فى عصره كثير الحديث والرحلة رحل إلى أبى عبيد على كبر السن متفقها فأخذ عنه وكان يفتى بنيسابور على مذهبه وعليه تفقه ابن خزيمة قبل أن يرحل

توفى سنة خمس وأربعين ومائتين

أحمد بن الحسن بن سهل الفارسى أبو بكر

لأصحابنا فيما يظهر اثنان كل منهما أبو بكر الفارس أحدهما صاحب عيون المسائل

46 محمد بن أحمد بن نصر الشيخ الإمام أبو جعفر الترمذى

شيخ الشافعية بالعراق قبل ابن سريج

رحل وسمع يحيى بن بكير ويوسف بن عدى وإبراهيم بن المنذر الحزامى والقواريرى وطبقتهم

روى عنه عبد الباقى بن قانع وأحمد بن كامل وأبو القاسم الطبرانى وغيرهم تفقه على أصحاب الشافعى

وكان إماما زاهدا ورعا قانعا باليسير

حكى أبو إسحاق إبراهيم بن السرى الزجاج أنه كان يجرى عليه فى الشهر أربعة دراهم

قال وكان لا يسأل أحدا شيئا

وقال محمد بن موسى بن حماد أخبرنى أنه تقوت بضعة عشر يوما بخمس حبات قال ولم أكن أملك غيرها فاشتريت بها لفتا وكنت آكل منه

قال أحمد بن كامل لم يكن للشافعية بالعراق أرأس منه ولا أورع ولا أكثر تقللا

وقال الدارقطنى ثقة مأمون ناسك

توفى أبو جعفر فى المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين وقد كمل أربعا وتسعين سنة

ونقل أنه اختلط بأخرة

وله فى المقالات كتاب سماه كتاب اختلاف أهل الصلاة فى الأصول وقف عليه ابن الصلاح وانتقى منه فقال ومن خطه نقلت أن أبا جعفر قل ما تعرض فى هذا الكتاب لما يختار هو وأنه روى فى أوله حديث تفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة عن أبى بكر بن أبى شيبة

وأنه بالغ فى الرد على من فضل الغنى على الفقر

وأنه نقل أن فرقة من الشيعة قالوا أبو بكر وعمر أفضل الناس بعد رسول الله غير أن عليا أحب إلينا

قال أبو جعفر فلحقوا بأهل البدع حيث ابتدعوا خلاف من مضى

47 محمد بن أحمد بن على الخلالى أبو بكر

من أصحاب المزنى ذكره العبادى وهو من أصحاب المزنى والربيع

روى عنه أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن المقرى وقال هو ثقة صاحب المزنى والربيع

وقال ابن نقطة فى التقييد إنه الخلالى بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وزعم أنه نقل ذلك من خط مؤتمن فى غير موضع

48 محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى وقيل موسى بن عبد الرحمن أبو عبد الله البوشنجى العبدى

شيخ أهل الحديث فى زمانه بنيسابور

سمع من إبراهيم بن المنذر الحزامى والحارث بن سريج النقال وأبى جعفر عبد الله بن محمد النفيلى وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص وعلى بن الجعد وأبى كريب محمد بن العلاء ومسدد بن مسرهد ويحيى بن عبد الله بن بكير وسعيد ابن منصور وأبى نصر التمار وغيرهم

روى عنه محمد بن إسحاق الصغانى ومحمد بن إسماعيل البخارى وهما أكبر منه

وابن خزيمة وأبو العباس الدغولى وأبو حامد بن الشرقى وأبو بكر بن إسحاق الصبغى وإسماعيل بن نجيد وخلق كثير

وقيل إن البخارى روى عنه حديثا فى الصحيح ذكر ذلك محمد بن يعقوب ابن الأخرم

وفى الصحيح للبخارى حدثنا محمد حدثنا النفيلى ذكره فى تفسير سورة البقرة

قال شيخنا الذهبى فإن لم يكن البوشنجى وإلا فهو محمد بن يحيى

قال والأغلب أنه البوشنجى فإن الحديث بعينه رواه الحاكم عن أبى بكر بن أبى نصر حدثنا البوشنجى حدثنا النفيلى حدثنا مسكين بن بكير حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن مروان الأصفر عن رجل من أصحاب النبى وهو ابن عمر أنها نسخت ‏{‏إِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ‏}‏ الآية

قلت ولذلك ذكره شيخنا المزى فى التهذيب

وكان البوشنجى من أجل الأئمة وله ترجمة طويلة عريضة ذات فوائد فى تاريخ الحاكم

قال ابن حمدان سمعت ابن خزيمة يقول لو لم يكن فى أبى عبد الله من البخل بالعلم ما كان ما خرجت إلى مصر

وكان إماما فى اللغة وكلام العرب

قال أبو عبد الله الحاكم سمعت أبا بكر بن جعفر يقول سمعت أبا عبد الله البوشنجى يقول للمستملى الزم لفظى وخلاك ذم

وقال أبو عبد الله بن الأخرم سمعت أبا عبد الله البوشنجى غير مرة يقول حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير وذكره بملء الفم

وقال دعلج حدثني فقيه أن أبا عبد الله حضر مجلس داود الظاهرى ببغداد فقال داود لأصحابه حضركم من يفيد ولا يستفيد

وكان أبو عبد الله البوشنجى قوى النفس أشار يوما إلى ابن خزيمة فقال محمد ابن إسحاق كيس وأنا لا أقول هذا لأبى ثور

ولما توفى الحسين بن محمد القبانى قدم أبو عبد الله للصلاة عليه فصلى ولما أراد أن ينصرف قدمت دابته وأخذ أبو عمرو الخفاف بلجامه وأبو بكر محمد بن إسحاق بركابه وأبو بكر الجارودى وإبراهيم بن أبى طالب يسويان عليه ثيابه فمضى ولم يكلم واحدا منهم

وفى لفظ ولم يمنع واحدا منهم والمعنى هنا واحد فإن مراد من قال ولم يكلم أنه لم يمنع

وقال أبو الوليد النيسابورى حضرنا مجلس البوشنجى وسأله أبو على الثقفى عن مسألة فأجاب فقال له أبو على يا أبا عبد الله كأنك تقول فيها بقول أبى عبيد

فقال يا هذا لم يبلغ بنا التواضع أن نقول بقول أبى عبيد

وقال ابن خزيمة وقد سئل عن مسألة بعد أن شيع جنازة أبى عبد الله لا أفتى حتى نواريه لحده

وكان البوشنجى جوادا سخيا وكان يقدم لسنانيره من كل طعام يأكله وبات ليلة ثم ذكر السنانير بعد فراغ طعامه فطبخ فى الليل من ذلك الطعام وأطعمهم

وقال السيد الجليل أبو عثمان سعيد بن إسماعيل تقدمت يوما لأصافح أبا عبد الله البوشنجى تبركا به فقبض يده عنى وقال لست هناك

وقال الحسن بن يعقوب كان مقام أبى عبد الله بنيسابور على الليثية فلما انقضت أيامهم خرج إلى بخارى إلى حضرة إسماعيل الأمير فالتمس منه بعد أن أقام عنده برهة أن يكتب أرزاقه بنيسابور

قلت الليثية يعقوب بن الليث الضفار وأخوه عمرو وذووهما ملكوا فارس متغلبين عليها وبلغت بهما تنقلات الأحوال إلى أن بلغا درجة السلطنة بعد الصنعة فى الصفر وجرت لهم أمور يطول شرحها

وقال الحاكم سمعت الحسين بن الحسن الطوسى يقول سمعت أبا عبد الله البوشنجى يقول أخذت من الليثية سبعمائة ألف درهم

قيل مات أبو عبد الله البوشنجى فى غرة المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين

وقيل بل سلخ ذى الحجة سنة تسعين ودفن من الغد وهو الأشبه عندى

وصلى عليه إمام الأئمة ابن خزيمة

ومولده سنة أربع ومائتين

ومن الرواية عنه

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا أخبرنا محمد بن عبد السلام وأحمد ابن هبة الله وزينب بنت كندى قراءة عن المؤيد الطوسى أن أبا عبد الله الفراوى أخبره وعن عبد المعز الهروى أن تميما المؤدب أخبره وعن زينب الشعرية أن إسماعيل بن أبى قاسم أخبرها قالوا أخبرنا عمر بن أحمد بن مسرور أخبرنا إسماعيل بن نجيد الزاهد سنة أربع وستين وثلثمائة حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجى حدثنا روح بن صلاح المصرى حدثنا موسى بن على بن رباح عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله قال ‏(‏ الحسد فى اثنتين رجل آتاه الله القرآن فقام به وأحل حلاله وحرم حرامه ورجل آتاه الله مالا فوصل منه أقرباءه ورحمه وعمل بطاعة الله تمنى أن يكون مثله ومن تكن فيه أربع فلا يضره ما زوى عنه من الدنيا حسن خليقة وعفاف وصدق حديث وحفظ أمانة ‏)‏

أخبرنا المسند أبو حفص عمر بن الحسن المراغى بقراءتى عليه أخبرنا أبو الحسن بن البخارى إجازة أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن على بن سكينة كتابة عن زاهر بن طاهر عن شيخ الإسلام أبى عثمان الصابونى قال أخبرنا الحاكم أبو عبد الله سماعا عليه قال أخبرنا أبو بكر بن أبى نصر الداوودى بمرو حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجى بمرو حدثنا سليم بن منصور ابن عمار حدثني أبى حدثنا يوسف بن الصباح الفزارى كوفى عن عبد الله ابن يونس بن أبى فروة قال لما أصاب امرأة العزيز الحاجة قيل لها لو أتيت يوسف فاستشارت فى ذلك فقالوا إنا نخافه عليك قالت كلا إنى لا أخاف ممن يخاف الله فلما دخلت عليه فرأته فى ملكه قالت الحمد لله الذى يجعل العبيد ملوكا بطاعة الله والحمد لله الذى يجعل الملوك عبيدا بمعصيته

قال فتزوجها فوجدها بكرا فقال أليس هذا أحسن أليس هذا أجمل قالت إنى ابتليت بك بأربع كنت أجمل أهل زمانك وكنت أجمل أهل زمانى وكنت بكرا وكان زوجى عنينا

قال ولما كان من أمر الإخوة ما كان كتب يعقوب إلى يوسف وهو لا يعلم أنه يوسف بسم الله الرحمن الرحيم من يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إلى عزيز آل فرعون سلام عليك فإنى أحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو أما بعد فإنا أهل بيت مولع بنا أسباب البلاء كان جدى إبراهيم خليل الله ألقى فى النار فى طاعة ربه فجعلها عليه بردا وسلاما وأمر الله تعالى جدى أن يذبح أبى ففداه الله بما فداه به وكان لى ابن وكان من أحب الناس إلى ففقدته فأذهب حزنى عليه نور بصرى وكان لى آخر من أمه كنت إذا ذكرته ضممته إلى صدرى فأذهب عنى بعض وجدى وهو المحبوس عندك فى السرقة وإنى أخبرك أنى لم أسرق ولم ألد سارقا فلما قرأ يوسف الكتاب بكى وصاح فقال ‏{‏اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا‏}

ومن شعره

قال أبو عثمان الصابونى أنشدنى أبو منصور بن حمشاد قال أنشدت لأبى عبد الله البوشنجى فى الشافعى رضى الله عنه

ومن شعب الإيمان حب ابن شافع ** وفرض أكيد حبه لا تطوع

وإنى حياتى شافعى وإن أمت ** فتوصيتى بعدى بأن تتشفعوا

ذكر الحاكم بسنده إلى أبى عبد الله البوشنجى حدثنا عبد الله بن يزيد الدمشقى حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال رأيت فى المقسلاط وهو موضع بسوق الدقيق من دمشق صنما من نحاس إذا عطش نزل فشرب قال البوشنجى ربما تكلمت العلماء على قدر فهم الحاضرين تأديبا وامتحانا فهذا الرجل ابن جابر أحد علماء الشام ومعنى كلامه أن الصنم لا يعطش ولو عطش لنزل فشرب فنفى عنه النزول والعطش

قلت لكن قوله إذا عطش قد ينازع فى هذا فإن صيغة إذا لا تدخل إلا على المتحقق فلابد وأن يكون صدور العطش والنزول منه متحققا وإلا فلا يصح الإتيان بصيغة إذا ولو كانت العبارة إن لم يكن اعتراض والحاصل أن الممتنع إذا فرض جائزا ترتب عليه جواز ممتنع آخر وقد ظرف القائل

ولو أن ما بى من ضنى وصبابة ** على جمل لم يدخل النار كافر

فإن معناه لو كان ما بى من الصبابة بالجمل لضعف ورق وصار بحيث يلج فى سم الخياط ولو ولج فى سم الخياط لدخل الكافر الجنة على ما قال تعالى ‏{‏وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ‏}‏ ولو دخل الجنة لم يدخل النار فوضح أن ما بى من الحب لو كان بالجمل لم يدخل النار كافر

وأبو عبد الله البوشنجى هو الناقل أن الربيع ذكر أن رجلا سأل الشافعى عن حالف قال إن كان فى كمى دراهم أكثر من ثلاثة فعبدى حر فكان فيه أربعة لا يعتق لأنه استثنى من جملة ما فى يده دراهم وهو جمع ودرهم لا يكون دراهم فقال السائل آمنت بمن فوهك هذا العلم فأنشأ الشافعى يقول

إذا المعضلات تصديننى ** كشفت حقائقها بالنظر

الأبيات التى سقناها فى الباب المعقود ليسير من نظم الشافعى رضى الله عنه

وهذه فوائد ونخب عن أبى عبد الله رحمه الله

قال الحاكم أخبرني أبو محمد بن زياد حدثنا الحسن بن على بن نصر الطوسى قال سمعت أبا عبد الله البوشنجى بسمرقند وسأله أعرابى فقال له أى شيء القرطبان قال كانت امرأة فى الجاهلية يقال لها أم أبان وكان لها قرطب والقرطب هو السدر وكان لها تيس فى ذلك القرطب وكانت تنزى تيسها بدرهمين وكان الناس يقولون نذهب إلى قرطب أم أبان ننزى تيسها على معزانا فكثر ذلك فقالت العامة قرطبان

قلت وهذه التثنية مما جاء على خلاف الغالب فإن التثنية عند العرب جعل الاسم القابل دليل اثنين متفقين فى اللفظ غالبا وفى المعنى على رأى بزيادة ألف فى آخره رفعا وياء مفتوح ما قبلها جرا ونصبا يليهما نون مكسورة فتحها لغة وقد تضم والحارثيون يلزمون الألف قال النحاة فمتى اختلفا فى اللفظ لم يجز تثنيتهما وما ورد من ذلك يحفظ ولا يقاس عليه

قال شيخنا أبو حيان والذى ورد من ذلك إنما روعى فيه التغليب فمن ذلك القمران للشمس والقمر

والعمران لأبى بكر وعمر رضى الله عنهما

والأبوان للأب والأم وفى الأب والخالة ومنه قوله تعالى ‏{‏وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ‏}

والأمان للأم والجدة

والزهدمان فى زهدم وكردم ابنى قيس

والعمران لعمرو بن حارثة وزيد بن عمرو

والأحوصان الأحوص بن جعفر وعمرو بن الأحوص

والمصعبان مصعب بن الزبير وابنه

والبحيران بحير وفراس ابنا عبد الله بن سلمة

والحران الحر وأخوه أبى

والعجاجان فى العجاج وابنه هذا جميع ما أورده شيخنا فى شرح التسهيل

ورأيت الأخ سيدى الشيخ الإمام أبا حامد سلمه الله ذكر فى شرح التلخيص فى المعانى والبيان ما ذكره أبو حيان وزاد فقال

والخافقان للمغرب والمشرق وإنما الخافق حقيقة اسم للمغرب بمعنى مخفوق فيه

والبصرتان للبصرة والكوفة

والمشرقان للمشرق والمغرب

والمغربان لهما أيضا

والحنيفان الحنيف وسيف ابنا أوس بن حميرى

والأقرعان الأقرع بن حابس وأخوه مزيد

والطليحتان طليحة بن خويلد الأسدى وأخوه حبال

والخزيميان والربيبان خزيمة وربيبة من باهلة بن عمرو

فهذا مجموع ما ذكره الشيخ والأخ وفاتهما القرطبان كما عرفت

والدحرضان اسم لماءين يقال لأحدهما الدحرض وللآخر وسيع قال الشاعر

شربت بماء الدحرضين فأصبحت ** زوراء تنفر عن حياض الديلم

‏(‏ والأسودان للتمر والماء قال ‏(‏ الأسودان التمر والماء ‏)‏

والفمان للفم والأنف ذكره الشيخ جمال الدين ابن مالك والأخوان لأخ وأخت

والأذانان الأذان والإقامة وقال ‏(‏ بين كل أذانين صلاة ‏)‏ أجمعوا أن المراد به الأذان والإقامة

والجونان معاوية وحسان ابنا الجون الكنديان ذكره أبو العباس المبرد فى أوائل الكامل بعد نحو خمس كراريس منه وأنشد عليه

كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا ** وعمرو بن عمرو إذ دعوا يال دارم

ولم تشهد الجونين والشعب والصفا ** وشدات قيس يوم دير الجماجم

والعاشقان اسم للعاشق والمعشوق وعليه قول العباس بن الأحنف

العاشقان كلاهما متغضب ** وكلاهما متوجد متحبب

صدت مغاضبة وصد مغاضبا ** وكلاهما مما يعالج متعب

راجع أحبتك الذين هجرتهم ** إن المتيم قلما يتجنب

إن التباعد إن تطاول منكما ** دب السلو له فعز المطلب

أراد بالعاشقين الخليفة وواحدة من حظاياه كان وقع بينه وبينها شنآن فتهاجرا فحدث العباس فى ذلك فأنشده هذه الأبيات فقام إليها وصالحها

والأنفان اسم للأنف والفم ذكره وأنشد عليه

إذا ما الغلام الأحمق الأم سافنى ** بأطراف أنفيه اشمأز فأنزعا

واعلم أن شيخنا أبا حيان استشهد على أن العمرين اسم لأبى بكر وعمر بقول الشاعر

ما كان يرضى رسول الله فعلهم ** والعمران أبو بكر ولا عمر

وأنا ما أحفظ هذا البيت إلا والطيبان أبو بكر ولا عمر والوزن به أتم

واستشهد على أن القمرين اسم للشمس والقمر يقول الفرزدق

أخذنا بآفاق السماء عليكم ** لنا قمراها والنجوم الطوالع

‏(‏ وكان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله يقول إنما أراد بالقمرين النبى وإبراهيم عليه السلام وبالنجوم الصحابة وهذا ما ذكره ابن الشجرى فى أماليه

ورأيت فى ترجمة هارون الرشيد أنه سأل من حضر مجلسه عن المراد بالقمرين فى هذا البيت فأجاب بهذا الجواب نعم أنشد ابن الشجرى على القمرين للشمس والقمر قول المتنبى

واستقبلت قمر السماء بوجهها ** فأرتنى القمرين فى وقت معا

وقال أبو عبد الله البوشنجى فى قوله ‏(‏ البذاذة من الإيمان ثلاثا البذاء خلاف البذاذة إنما البذاء طول اللسان برمى الفواحش والبهتان يقال فلان بذى اللسان والبذاذة رثاثة الثياب فى الملبس والمفرش وذلك تواضع عن رفيع الثياب وهى ملابس أهل الزهد

وقال الحاكم حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبرى حدثنا أبو عبد الله البوشنجى حدثنا النفيلى حدثنا عكرمة بن إبراهيم الأزدى قاضى الرى عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة قال ما رأيت أخطب من عائشة ولا أعرب لقد رأيتها يوم الجمل وثار إليها الناس فقالوا يا أم المؤمنين حدثينا عن عثمان وقتله فاستجلست الناس ثم حمدت الله وأثنت عليه ثم قالت أما بعد فإنكم نقمتم على عثمان خصالا ثلاثا إمرة الفتى وضربة السوط وموقع الغمامة المحماة فلما أعتبنا منهن مصتموه موصى الثوب بالصابون عدوتم به الفقر الثلاث عدوتم به حرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام وحرمة الخلافة والله لعثمان كان أتقاكم للرب وأوصلكم للرحم وأحصنكم فرجا أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم

قال الحاكم سمعت أبا زكريا العنبرى وأبا بكر محمد بن جعفر يقولان سمعت أبا عبد الله البوشنجى يقول فى عقب هذا الحديث أما قولها إمرة الفتى فإن عثمان ولى الكوفة الوليد بن عقبة بن أبى معيط لقرابته منه وعزل سعد بن أبى وقاص

وأما قولها ضربة السوط فإن عثمان تناول عمار بن ياسر وأبا ذر ببعض التقويم كما يؤدب الإمام رعيته

وأما قولها موقع الغمامة المحماة فإن عثمان حمى أحماء فى بلاد العرب لإبل الصدقة وقد كان عمر حمى أحماء أيضا كذلك فلم ينكر الناس ذلك على عمر

فهذه الثلاث التى قالتها عائشة فلما استعتبوه منها أعتبهم ورجع إلى مرادهم وهو قولها مصتموه موص الثوب بالصابون والموص هو الغسل والفقر الفرص

يقال أفقر الصيد إذا وجد الصائد فرصته وكان عثمان آمنا أنهم لا يعدون عليه فى الشهر الحرام وأنهم لا يستحلون حرم رسول الله وهى المدينة وكانت الثالثة حرمة الخلافة

قلت ومع هذا لم يشر الشاعر فى قوله

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** ودعا فلم أر مثله مخذولا

إلى شيء من الحرمات الثلاث ولا حرمة الإحرام فإن عثمان لم يكن أحرم بالحج وإنما أراد على ما ذكر الأصمعى أنه لم يكن أتى محرما يحل عقوبته كما سنذكره عن الأصمعى إن شاء الله تعالى فى ترجمة أبى نصر أحمد بن عبد الله الثابتى البخارى فى الطبقة الرابعة

وقولنا فى سياق هذا السند سمعت أبا زكريا وأبا بكر يقولان سمعت أبا عبد الله كذا هو فى مقتضب تاريخ نيسابور للحافظ أبي بكر الحازمى بخطه وقد كتب كما رأيته بخطه فوق سمعت صح وقد أجاد فإنه حاك عن اثنين قولهما فكل منهما يقول سمعت فافهمه فهو دقيق

ويشبه هذا الأثر عن عائشة رضى الله عنها فى اجتماع كثير من غريب اللغة فيه حديث زبان بن قيسور الكلفى ويقال زبان بن قسور قال رأيت رسول الله وهو نازل بوادى الشوحط وهو عند إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عن زبان وهو حديث ضعيف الإسناد ليس دون إبراهيم بن سعد من يحتج به

وقد ساقه السهيلى فى الروض الألف +بدون إسناد+

ونحن نرى أن نذكر حديث زبان بن قيسور فإن ابن الأثير لم يذكره فى نهاية غريب الحديث مع شدة تفحصه فنقول

عن زبان بن قيسور رضى الله عنه قال رأيت النبى وهو نازل بوادى الشوحط فكلمته فقلت يا رسول الله إن معنا لوبا كانت فى عيلم لنا به طرم وشمع فجاء رجل فضرب ميتين فأنتج حيا وكفنه بالثمام ونحسه فطار اللوب هاربا ودلى مشواره فى العيلم فاشتار العسل فمضى به فقال رسول الله ‏(‏ ملعون ملعون من سرق شرو قوم فأضر بهم أفلا تبعتم أثره وعرفتم خبره ‏)‏ قال قلت يا رسول الله إنه دخل فى قوم لهم منعة وهم جيرتنا من هذيل فقال رسول الله ‏(‏ صبرك صبرك ترد نهر الجنة وإن سعته كما بين اللقيقة والسحيقة يتسبسب جريا بعسل صاف من قذاه ما تقياه لوب ولا مجه نوب ‏)‏ حديث غريب

وكان قد أوتى جوامع الكلم فيخاطب كل قوم بلغتهم

واللوب بضم اللام وسكون الواو النحل قاله السهيلى وحكاه ابن سيده فى المحكم وأغفله الجوهرى والأزهرى

والعيلم بفتح العين المهملة وسكون آخر الحروف قال السهيلى هى البئر وأراد بها هنا وقبة النحل أو الخلية وقد يقال لموضع النحل إذا كان صدعا فى جبل شيق وجمعه شيقان

والطرم بكسر الطاء المهملة وإسكان الراء العسل عامة قاله ابن سيده وغيره وحكى الأزهرى عن الليث أنه الشهد

وقوله فضرب ميتين فاستخرج حيا يريد أورى نارا من زندين ضربهما فهو من باب الاستعارة شبه الزناد والحجر بالميتين والنار التى تخرج منهما بالحى

والثمام قال الجوهرى نبت ضعيف ذو خوص وربما حشى منه أوسد به خصاص البيوت فمعنى قوله أنه كفنه بالثمام أنه ألقى ذلك النبت على النار التى أوراها حتى صار لها دخان وهو المراد بقوله نحسه قال السهيلى يقال لكل دخان نحاس ولا يقال إيام إلا لدخان النحل خاصة يقال آمها يؤومها إذا دخنها قاله أبو حنيفة

ويقال شار العسل يشوره ويشتاره إذا اجتناه من خلاياه ومواضعه

والمشوار الآلة التى يقطف بها

وقوله ‏(‏ من سرق شرو قوم ‏)‏ كذا هو فى أصل معتمد بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء وبعدها واو لم أجد هذه اللفظة فى كتب اللغة

وكذلك قوله عن نهر الجنة سعته ما بين اللقيقة والسحيقة وكأنهما اسم موضعين يعرفهما المخاطب وألفيتهما كذلك مضبوطين بضم أولهما

وقوله ‏(‏ صبرك صبرك ‏)‏ أضمر فيه الفعل أى الزم صبرك وأغنى التكرار عن لزوم الفعل كما فى التحذير

ويتسبسب أى يجرى قال الأزهرى يقال سبسب إذا سار سيرا لينا فكأنه استعير لجريان النهر باللبن

والنوب أيضا من أسماء النحل وهو بضم النون وإسكان الواو قال أبو ذؤيب

إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ** وحالفها فى بيت نوب عواسل

أى لم يخف لسعها

قال أبو عبيدة سميت نوبا لأنها تضرب إلى السواد

ومن هذا المهيع يقال له باب المعاياة وصنف فيه الفقهاء فأكثروا ورووا أن رجلا قال لأبى حنيفة ما تقول فى رجل قال إنى لا أرجو الجنة ولا أخاف النار وآكل الميتة والدم وأصدق اليهود والنصارى وأبغض الحق وأهرب من رحمة الله وأشرب الخمر وأشهد بما لم أر وأحب الفتنة وأصلى بغير وضوء وأترك الغسل من الجنابة وأقتل الناس فقال أبو حنيفة لمن حضره ما تقول فيه فقال هذا كافر

فتبسم وقال هذا مؤمن أما قوله لا أرجو الجنة ولا أخاف النار فأراد إنما أرجو وأخاف خالقهما

وأراد بأكل الميتة والدم السمك والجراد والكبد والطحال

وبقوله أصدق اليهود والنصارى قول كل منهم إن أصحابه ليسوا على شيء كما قال تعالى حكاية عنهم

وبقوله أهرب من رحمة الله الهروب من المطر

ويقوله أبغض الحق يعنى الموت لأن الموت حق لابد منه

وبشرب الخمر شربه فى حال الاضطرار

وبحب الفتنة الأموال والأولاد على ما قال تعالى ‏{‏أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ‏}

وبالشهادة على ما لم ير الشهادة بالله وملائكته وأنبيائه ورسله

وبالصلاة بغير وضوء ولا تيمم الصلاة على النبى

وبترك الغسل من الجنابة إذا فقد الماء

وبالناس الذين يقتلهم الكفار وهم الذين سماهم الله ‏{‏النَّاسَ‏}‏ فى قوله ‏{‏إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ‏}

وروى أن محمد بن الحسن سأل الشافعى عن خمسة زنوا بامرأة فوجب على واحد القتل والآخر الرجم والثالث الجلد والرابع نصف الحد ولم يجب على الخامس شيء

فقال الشافعى الأول ذمى زنى بمسلمة فانتقض عهده فيقتل

والثانى زان محصن والثالث بكر حر والرابع عبد والخامس مجنون

وروى أن الشافعى رضى الله عنه سئل عن امرأة فى فيها لقمة قال زوجها إن بلعتيها فأنت طالق وإن أخرجتيها فأنت طالق ما الحيلة

قال تبلع نصفها وتخرج نصفها

وأنه جاء رجل إلى أبى حنيفة رضى الله عنه فقال حلفت بالطلاق لا أكلم امرأتى قبل أن تكلمنى فقال والعتاق لازم لى لا أكلمك قبل أن تكلمنى فكيف أصنع

فقال اذهب فكلمها ولا حنث عليكما

فذهب إلى سفيان الثورى فجاء سفيان إلى أبى حنيفة مغضبا فقال أتبيح الفروج قال أبو حنيفة وما ذاك فقص له القصة فقال أبو حنيفة هو كذا إنها لما قالت له إن كلمتك فعلى العتاق شافهته بالكلام فانحلت يمينه فإذا كلمها بعد لم يقع الطلاق فقال سفيان إنك لتكشف ما كنا عنه غافلين

وعن أبى يوسف القاضى قال طلبنى هارون الرشيد ليلا فلما دخلت عليه إذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر فقال لى إن عند عيسى جارية وسألته أن يهبها لى فامتنع وسألته أن يبيعها فامتنع

فقلت وما منعك من بيعها أو هبتها لأمير المؤمنين

فقال إن على يمينا أن لا أبيعها ولا أهبها

فقال الرشيد فهل له فى ذلك مخرج

قلت نعم يهب لك نصفها ويبيعك نصفها فيكون لم يهبها ولم يبعها

قال عيسى فأشهدك أنى قد وهبتك نصفها وبعتك نصفها

فقال الرشيد بعد ذلك أيها القاضى بقيت واحدة

فقلت وما هى

فقال إنها أمة ولابد من استبرائها ولابد أن أطلبها فى هذه الليلة

فقلت له أعتقها وتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ ففعل ذلك فعقدت عقده عليها وأمر لى بمال جزيل

وحضرت امرأة إلى أمير المؤمنين المأمون فقالت يا أمير المؤمنين إن أخى مات وترك ستمائة دينار فلم أعط إلا دينارا واحدا

فقال كأنى بك قد ترك أخوك زوجة وأما وبنتين واثنى عشر أخا وأنت

فقالت نعم كأنك حاضر

فقال أعطوك حقك للزوجة ثمن الستمائة وذلك خمسة وسبعون دينارا وللأم السدس وذلك مائة دينار وللبنتين الثلثان وذلك أربعمائة دينار وللاثنى عشر أخا أربعة وعشرون دينارا ولك دينار واحد

وسئل القفال عن بالغ عاقل مسلم هتك حرزا وسرق نصابا لا شبهة له فيه بوجه ولا قطع عليه

فقال رجل دخل فلم يجد فى الدار شيئا فقعد فى دن فجاء صاحب الدار بمال ووضعه فخرج السارق وأخذه وخرج فلا يقطع لأن المال حصل بعد هتك الحرز

وسئل بعض المشايخ عن رجل خرج إلى السوق وترك امرأته فى البيت ثم رجع فوجد عندها رجلا فقال ما هذا قالت هذا زوجى وأنت عبدى وقد بعتك

فقال الشيخ هو عبد زوجه سيده بابنته ودخل العبد بها ثم مات سيده ووقعت الفرقة لأنها ملكت زوجها بالإرث ثم إنها كانت حاملا فوضعت فانقضت العدة فتزوجت وباعت ذلك الزوج لأنه صار عبدها

وسئل آخر عن رجل نظر إلى امرأة أول النهار وهى حرام عليه ثم حلت ضحوة وحرمت الظهر وحلت العصر وحرمت المغرب وحلت العشاء وحرمت الفجر وحلت الضحى وحرمت الظهر فقال هذا رجل نظر إلى أمة غيره بكرة واشتراها ضحوة وأسقط الاستبراء بحيلة فحلت له وأعتقها الظهر فحرمت عليه فتزوجها العصر فحلت فظاهر منها المغرب فحرمت فكفر عن يمينه العشاء فحلت فطلقها عند الفجر فحرمت فراجعها ضحوة فحلت فارتدت الظهر فحرمت

ولك أن تزيد فتقول ثم حلت العصر ثم حرمت المغرب حرمة مؤبدة وذلك بأن تكون أسلمت العصر فبقيت على الزوجية ثم لاعنها المغرب

وسئل آخر عن امرأة لها زوجان ويجوز أن يتزوجها ثالث ويطأها فقال هذه امرأة لها عبد وأمه زوجت أحدهما بالآخر فيصدق أنها امرأة لها زوجان واللام فى لها للملك وإذا جاء ثالث حر أراد نكاحها فله ذلك

وسئل آخر عن رجل قال لامرأته وهى فى ماء جار إن خرجت من هذا الماء فأنت طالق وإن لم تخرجى فأنت طالق

فقال لا تطلق خرجت أو لم تخرج لأنه جرى وانفصل نقله الرافعى فى فروع الطلاق

وسئل آخر عن رجل تكلم كلاما فى بغداد فوجب على امرأة بمصر أن تعيد صلاة سنة

فقال هذه جاريته أعتقها ببغداد وهى بمصر ولم يبلغها الخبر إلا بعد سنة وكانت تصلى مكشوفة الرأس فإذا بلغها الخبر يجب عليها إعادة الصلاة لأن صلاة الحرة مكشوفة الرأس لا تصح

وفى الرافعى فى رجل قال لامرأته إن لم أقل لك مثل ما تقولين لى فى هذا المجلس فأنت طالق فقالت أنت طالق إن الحيلة فى عدم وقوع الطلاق أن يقول أنت تقولين أنت طالق

قلت وفيه نظر فإن صيغتها أنت بفتح التاء وصيغته أنت بكسرها إذا أراد خطابها بالطلاق فقد يقال يقول كما قالت أنت طالق بفتح التاء ولا يقع الطلاق لأنه خطاب المذكر فلعلها قالت له أنت طالق بكسر التاء

49 محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الغطفانى الحنظلى أبو حاتم الرازى

أحد الأئمة الأعلام

ولد سنة خمس وتسعين ومائة

سمع عبيد الله بن موسى وأبا نعيم وطبقتهما بالكوفة

ومحمد بن عبد الله الأنصارى والأصمعى وطبقتهما بالبصرة

وعفان وهوذة بن خليفة وطبقتهما ببغداد

وأبا مسهر وأبا الجماهر محمد بن عثمان وطبقتهما بدمشق

وأبا اليمان ويحيى الوحاظى وطبقتهما بحمص

وسعيد بن أبى مريم وطبقته بمصر

وخلقا بالنواحى والثغور

وتردد فى الرحلة زمانا قال ابنه سمعت أبى يقول أول سنة خرجت فى طلب الحديث أقمت سبع سنين أحصيت ما مشيت على قدمى زيادة على ألف فرسخ ثم تركت العدد بعد ذلك وخرجت من البحرين إلى مصر ماشيا ثم إلى الرملة ماشيا ثم إلى دمشق ثم إلى أنطاكية ثم إلى طرسوس ثم رجعت إلى حمص ثم منها إلى الرقة ثم ركبت إلى العراق كل هذا وأنا ابن عشرين سنة

حدث عنه من شيوخه الصغار يونس بن عبد الأعلى وعبدة بن سليمان المروزى والربيع بن سليمان المرادى

ومن أقرانه أبو زرعة الرازى وأبو زرعة الدمشقى

ومن أصحاب السنن أبو داود والنسائى وقيل إن البخارى وابن ماجة رويا عنه ولم يثبت ذلك

وروى عنه أيضا أبو بكر بن أبى الدنيا وابن صاعد وأبو عوانة والقاضى المحاملى وأبو الحسن على بن إبراهيم القطان صاحب ابن ماجة وخلق كثير

قال عبد الرحمن بن أبى حاتم قال لى موسى بن إسحاق القاضى ما رأيت أحفظ من والدك

وقال أحمد بن سلمة الحافظ ما رأيت بعد إسحاق بن راهويه ومحمد بن يحيى أحفظ للحديث من أبى حاتم ولا أعلم بمعانيه

وقال ابن أبى حاتم سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول أبو زرعة وأبو حاتم إماما خراسان بقاؤهما صلاح للمسلمين

وقال ابن أبى حاتم سمعت أبى يقول قلت على باب أبى الوليد الطيالسى من أغرب على حديثا صحيحا فله درهم وكان ثم خلق أبو زرعة فمن دونه وإنما كان مرادى أن يلقى على ما لم أسمع به فيقولون هو عند فلان فأذهب وأسمعه فلم يتهيأ لأحد أن يغرب على حديثا

وسمعت أبى يقول كان محمد بن يزيد الأسفاطى قد ولع بالتفسير وبحفظه فقال يوما ما تحفظون فى قوله تعالى ‏{‏فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ‏}

فسكتوا فقلت حدثنا أبو صالح عن معاوية بن صالح عن على بن أبى طلحة عن ابن عباس قال ضربوا فى البلاد

وسمعت أبى يقول قدم محمد بن يحيى النيسابورى الرى فألقيت عليه ثلاثة عشر حديثا من حديث الزهرى فلم يعرف منها إلا ثلاثة أحاديث

قال شيخنا الذهبى رحمه الله إنما ألقى عليه من حديث الزهرى لأن محمدا كان إليه المنتهى فى معرفة حديث الزهرى قد جمعه وصنفه وتتبعه حتى كان يقال له الزهرى

قال وسمعت أبى يقول بقيت بالبصرة سنة أربع عشرة ثمانية أشهر فجعلت أبيع ثيابى حتى نفدت فمضيت مع صديق لى أدور على الشيوخ فانصرف رفيقى بالعشى ورجعت فجعلت أشرب الماء من الجوع ثم أصبحت فغدا على رفيقى فطفت معه على جوع شديد وانصرفت جائعا فلما كان من الغد غدا على فقلت أنا ضعيف لا يمكننى

قال ما بك قلت لا أكتمك مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا

فقال قد بقى معى دينار فنصفه لك ونجعل النصف الآخر فى الكراء

فخرجنا من البصرة وأخذت منه نصف الدينار

سمعت أبى يقول خرجنا من المدينة من عند داود الجعفرى وصرنا إلى الجار فركبنا البحر فكانت الريح فى وجوهنا فبقينا فى البحر ثلاثة أشهر وضاقت صدورنا وفنى ما كان معنا وخرجنا إلى البر نمشى أياما حتى فنى ما تبقى معنا من الزاد والماء فمشينا يوما لم نأكل ولم نشرب واليوم الثانى كمثل واليوم الثالث فلما كان المساء صلينا وألقينا بأنفسنا فلما أصبحنا فى اليوم الثالث جعلنا نمشى على قدر طاقتنا وكنا ثلاثة أنا وشيخ نيسابورى وأبو زهير المروروذى فسقط الشيخ مغشيا عليه فجئنا نحركه وهو لا يعقل فتركناه ومشينا قدر فرسخ فضعفت وسقطت مغشيا على ومضى صاحبى يمشى فرأى من بعيد قوما قربوا سفينتهم من البر ونزلوا على بئر موسى فلما عاينهم لوح بثوبه إليهم فجاءوه ومعهم ماء فسقوه وأخذوا بيده فقال لهم ألحقوا رفيقين لى فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهى ففتحت عينى فقلت اسقنى فصب من الماء فى مشربته قليلا فشربت ورجعت إلى نفسى ثم سقانى قليلا وأخذ بيدى فقلت ورائى شيخ ملقى فذهب جماعة إليه وأخذ بيدى وأنا أمشى وأجر رجلى حتى إذا بلغت عند سفينتهم وأتوا بالشيخ وأحسنوا إلينا فبقينا أياما حتى رجعت إلينا أنفسنا ثم كتبوا لنا كتابا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم وزودونا من الكعك والسويق والماء فلم نزل نمشى حتى نفد ما كان معنا من الماء والقوت فجعلنا نمشى جياعا على شط البحر حتى دفعنا إلى سلحفاة مثل الترس فعمدنا إلى حجر كبير فضربنا على ظهرها فانفلق فإذا فيه مثل صفرة البيض فحسيناه حتى سكن عنا الجوع حتى وصلنا إلى مدينة الراية وأوصلنا الكتاب إلى عاملها فأنزلنا فى داره فكان يقدم إلينا كل يوم القرع ويقول لخادمه هاتى لهم اليقطين المبارك فيقدمه مع الخبز أياما فقال واحد منا ألا تدعو باللحم المشيءوم فسمع صاحب الدار فقال أنا أحسن بالفارسية فإن جدتى كانت هروية وأتانا بعد ذلك باللحم ثم زودنا إلى مصر

سمعت أبى يقول لا أحضر كم مرة سرت من الكوفة إلى بغداد

وقال أبو محمد الإيادى يرثى أبا حاتم من قصيدة

أنفسى مالك لا تجزعينا ** وعينى مالك لا تدمعينا

ألم تسمعى بكسوف العلوم ** فى شهر شعبان محقا مدينا

ألم تسمعى خبر المرتضى ** أبى حاتم أعلم العالمينا

توفى أبو حاتم الرازى فى شعبان سنة سبع وسبعين ومائتين وله اثنتان وثمانون سنة

ومن الفوائد عنه

‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏

50 محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه

بفتح الباء الموحدة بعدها راء ساكنة ثم دال مكسورة مهملة ثم زاى ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة ثم هاء ابن بذذبه بباء موحدة مفتوحة ثم ذال معجمة مكسورة ثم ذال ثانية معجمة ساكنة ثم باء موحدة مكسورة ثم هاء هذا ما كنا نسمعه من الشيخ الإمام الوالد رحمه الله

وقيل بدل بردزبه الأحنف وقيل غير ذلك

هو إمام المسلمين وقدوة الموحدين وشيخ المؤمنين والمعول عليه فى أحاديث سيد المرسلين وحافظ نظام الدين أبو عبد الله الجعفى مولاهم البخارى صاحب الجامع الصحيح وساحب ذيل الفضل للمستميح

علا عن المدح حتى ما يزان به ** كأنما المدح من مقداره يضع

له الكتاب الذى يتلو الكتاب هدى ** هذى السيادة طودا ليس ينصدع

الجامع المانع الدين القويم وسنة ** الشريعة أن تغتالها البدع

قاصى المراتب دانى الفضل تحسبه ** كالشمس يبدو سناها حين ترتفع

ذلت رقاب جماهير الأنام له ** فكلهم وهو عال فيهم خضعوا

لا تسمعن حديث الحاسدين له ** فإن ذلك موضوع ومنقطع

وقل لمن رام يحكيه اصطبارك لا ** تعجل فإن الذى تبغيه ممتنع

وهبك تأتى بما يحكى شكالته ** أليس يحكى محيا الجامع البيع

كان والده أبو الحسن إسماعيل بن إبراهيم من العلماء الورعين

سمع مالك بن أنس ورأى حماد بن زيد وصالح بن المبارك

وحدث عن أبى معاوية وجماعة

روى عنه أحمد بن حفص وقال دخلت عليه عند موته فقال لا أعلم فى جميع مالى درهما من شبهة

قال أحمد بن حفص فتصاغرت إلى نفسى عند ذلك

ولد البخارى سنة أربع وتسعين ومائة ونشأ يتيما

وأول سماعه سنة خمس ومائتين وحفظ تصانيف ابن المبارك وحبب إليه العلم من الصغر وأعانه عليه ذكاؤه المفرط

ورحل سنة عشر ومائتين بعد أن سمع الكثير ببلده من محمد بن سلام البيكندى ومحمد بن يوسف البيكندى وعبد الله بن محمد المسندى وهارون ابن الأشعث وطائفة

وسمع ببلخ من مكى بن إبراهيم ويحيى بن بشر الزاهد وقتيبة وجماعة

وبمرو من على بن الحسن بن شقيق وعبدان وجماعة

وبنيسابور من يحيى بن يحيى وبشر بن الحكم وإسحاق وعدة

وبالرى من إبراهيم بن موسى الحافظ وغيره

وببغداد من شريح بن النعمان وعفان وطائفة

وبالبصرة من أبى عاصم النبيل وبدل بن المحبر ومحمد بن عبد الله الأنصارى وغيرهم

وبالكوفة من أبى نعيم وطلق بن غنام والحسن بن عطية وخلاد بن يحيى وقبيصة وغيرهم

وبمكة من الحميدى وعليه تفقه عن الشافعى

وبالمدينة من عبد العزيز الأويسى ومطرف بن عبد الله

وبواسط ومصر ودمشق وقيسارية وعسقلان وحمص من خلائق يطول سردهم ذكر أنه سمع من ألف نفس وقد خرج عنهم مشيخة وحدث بها ولم نرها

وفى تاريخ نيسابور للحاكم أنه سمع بالجزيرة من أحمد بن الوليد بن الورتنيس الحرانى وإسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقى وعمرو بن خالد وأحمد بن عبد الملك بن واقد الحرانى

وهذا وهم فإنه لم يدخل الجزيرة ولم يسمع من أحمد بن الوليد إنما روى عن رجل عنه ولا من ابن زرارة إنما إسماعيل بن عبد الله الذى يروى عنه هو إسماعيل بن أبى أويس وأما ابن واقد فإنه سمع منه ببغداد وعمرو بن خالد سمع منه بمصر نبه على هذا شيخنا الحافظ المزى فيما رأيته بخطه

وأكثر الحاكم فى عد شيوخه وذكر البلاد التى دخلها ثم قال وإنما سميت من كل ناحية جماعة من المتقدمين ليستدل بذلك على عالى إسناده فإن مسلم بن الحجاج لم يدرك أحدا ممن سميتهم إلا أهل نيسابور

واعترضه شيخنا الذهبى كما رأيته بخطه بأنه أدرك أحمد وعمر بن حفص يعنى وهما ممن عد الحاكم

ذكر أبو عاصم العبادى أبا عبد الله فى كتابه الطبقات وقال سمع من الزعفرانى وأبى ثور والكرابيسى

قلت وتفقه على الحميدى وكلهم من أصحاب الشافعى

قال ولم يرو عن الشافعى فى الصحيح لأنه أدرك أقرانه والشافعى مات مكتهلا فلا يرويه نازلا وروى عن الحسين وأبى ثور مسائل عن الشافعى

قلت وذكر الشافعى فى موضعين من صحيحه فى باب فى الركاز الخمس وفى باب تفسير العرايا من البيوع

ورقم شيخنا المزى فى التهذيب للشافعى بالتعليق وذكر هذين المكانين

حدث البخارى بالحجاز والعراق وخراسان وما وراء النهر وكتب عنه المحدثون وما فى وجهه شعرة

روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم والترمذى ومسلم خارج الصحيح ومحمد بن نصر المروزى وصالح بن محمد جزرة وابن خزيمة وأبو العباس السراج وأبو قريش محمد بن جمعة ويحيى بن محمد بن صاعد وأبو حامد بن الشرقى وخلق

وآخر من روى عنه الجامع الصحيح منصور بن محمد البزدوى المتوفى سنة تسع وعشرين وثلاثمائة

وآخر من زعم أنه سمعه منه موتا أبو طهير عبد الله بن فارس البلخى المتوفى سنة ست وأربعين وثلاثمائة

وآخر من روى حديثه عاليا خطيب الموصل فى الدعاء للمحاملى بينه وبينه ثلاثة رجال

وأما كتابه الجامع الصحيح فأجل كتب الإسلام وأفضلها بعد كتاب الله ولا عبرة بمن يرجح عليه صحيح مسلم فإن مقالته هذه شاذة لا يعول عليها

قال ابن عدى سمعت الحسن بن الحسين البزار يقول رأيت البخارى شيخا نحيفا ليس بالطويل ولا بالقصير عاش اثنتين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما

وقال أحمد بن الفضل البلخى ذهبت عينا محمد فى صغره فرأت أمه إبراهيم عليه السلام فقال يا هذه قد رد الله على ابنك بصره بكثرة بكائك أو دعائك فأصبح وقد رد الله عليه بصره

وعن جبريل بن ميكائيل سمعت البخارى يقول لما بلغت خراسان أصبت ببصرى فعلمنى رجل أن أحلق رأسى وأغلفه بالخطمى ففعلت فرد الله على بصرى رواها غنجار فى تاريخه

وقال أبو جعفر محمد بن أبى حاتم الوراق قلت للبخارى كيف كان بدء أمرك قال ألهمت حفظ الحديث فى المكتب ولى عشر سنين أو أقل وخرجت من الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلى وغيره فقال يوما فيما يقرأ على الناس سفيان عن أبى الزبير عن إبراهيم فقلت له إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم فانتهرنى فقلت له ارجع إلى الأصل فدخل ثم خرج فقال لى كيف يا غلام قلت هو الزبير بن عدى عن إبراهيم فأخذ القلم منى وأصلحه وقال صدقت فقال للبخارى بعض أصحابه ابن كم كنت قال ابن إحدى عشرة سنة

فلما طعنت فى ست عشرة سنة حفظت كتب ابن المبارك ووكيع وعرفت كلام هؤلاء

ثم خرجت مع أمى وأخى أحمد إلى مكة فلما حججت رجع أخى بها وتخلفت فى طلب الحديث

فلما طعنت فى ثمانى عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيد الله بن موسى وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر النبى فى الليالى المقمرة وقل اسم فى التاريخ إلا وله عندى قصة إلا أنى كرهت تطويل الكتاب

وقال عمر بن حفص الأشقر كنا مع البخارى بالبصرة نكتب الحديث ففقدناه أياما ثم وجدناه فى بيت وهو عريان وقد نفد ما عنده فجمعنا له الدراهم وكسوناه

وقال عبد الرحمن بن محمد البخارى سمعت محمد بن إسماعيل يقول لقيت أكثر من ألف رجل من أهل الحجاز والعراق والشام ومصر وخراسان إلى أن قال فما رأيت واحدا منهم يختلف فى هذه الأشياء أن الدين قول وعمل وأن القرآن كلام الله

وقال محمد بن أبى حاتم سمعته يقول دخلت بغداد ثمانى مرات كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لى آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تترك العلم والناس وتصير إلى خراسان فأنا الآن أذكر قول أحمد

وقال أبو بكر الأعين كتبنا عن البخارى على باب محمد بن يوسف الفريابى وما فى وجهه شعرة

وقال محمد بن أبى حاتم وراق البخارى سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان البخارى يختلف معنا إلى السماع وهو غلام فلا يكتب حتى أتى على ذلك أياما فكنا نقول له فقال إنكما قد أكثرتما على فاعرضا على ما كتبتما فأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها على ظهر قلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أنى اختلف هدرا وأضيع أيامى فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد

قالا فكان أهل المعرفة يعدون خلفه فى طلب الحديث وهو شاب حتى يغلبوه على نفسه ويجلسوه فى بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتب عنه وكان شابا لم يخرج وجهه

قال محمد بن أبى حاتم وسمعت سليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكندى فقال لى لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث

قال فخرجت فى طلبه فلقيته فقلت أنت الذى تقول أنا أحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر ولا أجيئك بحديث عن الصحابة أو التابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروى حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولى فى ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب الله أو سنة رسول الله

قال غنجار حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد المقرى حدثنا محمد بن يعقوب ابن يوسف البيكندى سمعت على بن الحسين بن عاصم البيكندى يقول قدم علينا محمد بن إسماعيل فاجتمعنا عنده فقال بعضنا سمعت إسحاق بن راهويه يقول كأنى أنظر إلى سبعين ألف حديث من كتابى

فقال محمد أو تعجب من هذا لعل فى هذا الزمان من ينظر إلى مائتى ألف حديث من كتابه

قال وإنما عنى به نفسه

وقال ابن عدى حدثنى محمد بن أحمد القومسى سمعت محمد بن خميرويه يقول سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتى ألف حديث غير صحيح

وقال إمام الأئمة ابن خزيمة ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد ابن إسماعيل البخارى

وقال ابن عدى سمعت عدة مشايخ يحكون أن البخارى قدم بغداد فاجتمع أصحاب الحديث فعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا لإسناد هذا وإسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوها على البخارى فى المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فقال وسأله عن حديث من تلك العشرة فقال لا أعرفه فسأله عن آخر فقال لا أعرفه حتى فرغ من العشرة

فكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم ومن كان لا يدرى قضى عليه بالعجز

ثم انتدب آخر ففعل كفعل الأول والبخارى يقول لا أعرفه إلى فراغ العشرة أنفس وهو لا يزيدهم على لا أعرفه

فلما علم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول فقال أما حديثك الأول فإسناده كذا وكذا والثانى كذا وكذا والثالث إلى آخر العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالثانى مثل ذلك إلى أن فرغ فأقر له الناس بالحفظ

وقال يوسف بن موسى المروروذى كنت بجامع البصرة إذ سمعت مناديا ينادى يا أهل العلم لقد قدم محمد بن إسماعيل البخارى فقاموا فى طلبه وكنت فيهم فرأيت رجلا شابا يصلى خلف الأسطوانة فلما فرغ أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلسا للإملاء فأجابهم

فلما كان من الغد اجتمع كذا وكذا ألف فجلس وقال يا أهل البصرة أنا شاب وقد سألتمونى أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكم تستفيدون الكل

حدثنا عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبى رواد بلديكم حدثنا أبى حدثنا شعبة عن منصور وغيره عن سالم بن أبى الجعد عن أنس أن أعرابيا قال يا رسول الله الرجل يحب القوم ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ الحديث

ثم قال ليس هذا عندكم إنما عندكم عن غير منصور وأملى مجلسا على هذا النسق

قال يوسف وكان دخولى البصرة أيام محمد بن عبد الملك بن أبى الشوارب

وقال الترمذى لم أر أحدا بالعراق ولا بخراسان فى معنى العلل والتاريخ ومعرفة الأسانيد أعلم من محمد بن إسماعيل

وقال إسحاق بن أحمد الفارسى سمعت أبا حاتم يقول سنة سبع وأربعين ومائتين محمد بن إسماعيل أعلم من دخل العراق ومحمد بن يحيى أعلم من بخراسان اليوم ومحمد بن أسلم أورعهم وعبد الله الدارمى أثبتهم

وعن أحمد بن حنبل قال انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل والدارمى والحسن بن شجاع البلخى

وقال أبو أحمد الحاكم كان البخارى أحد الأئمة فى معرفة الحديث وجمعه ولو قلت إنى لم أر تصنيف أحد يشبه تصنيفه فى المبالغة والحسن لرجوت أن أكون صادقا

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إذنا خاصا قال قرأت على عمر بن القواس أخبركم أبو القاسم بن الحرستانى حضورا أخبرنا جمال الإسلام أخبرنا ابن طلاب أخبرنا ابن جميع حدثنا أحمد بن محمد بن آدم حدثنا محمد بن يوسف البخارى قال كنت عند محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة فأحصيت عليه أنه قام وأسرج ليستذكر أشياء يعلقها فى ليله ثمانى عشرة مرة

وقال محمد بن أبى حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه فى سفر يجمعنا بيت واحد إلا فى القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم فى ليلة واحدة خمس عشرة مرة إلى عشرين مرة فى كل ذلك يأخذ القداحة فيورى نارا ويسرج ثم يخرج أحاديث فيعلم عليها ثم يضع رأسه وكان يصلى وقت السحر ثلاث عشرة ركعة وكان لا يوقظنى فى كل ما يقوم فقلت له إنك تحمل على نفسك فى كل هذا ولا توقظنى قال أنت شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك

وقال الفربرى قال لى محمد بن إسماعيل ما وضعت فى الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين

وقال إبراهيم بن معقل سمعته يقول كنت عند إسحاق بن راهويه فقال رجل لو جمعتم كتابا مختصرا للسنن فوقع ذلك فى قلبى فأخذت فى جمع هذا الكتاب

قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ روى من وجهين ثابتين عن البخارى أنه قال أخرجت هذا الكتاب من نحو ستمائة ألف حديث وصنفته فى ست عشرة سنة وجعلته حجة فيما بينى وبين الله

وقال إبراهيم بن معقل سمعته يقول ما أدخلت فى الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لأجل الطول

وقال محمد بن أبى حاتم قلت له تحفظ جميع ما فى المصنف قال لا يخفى على جميع ما فيه ولو نشر بعض إسنادى هؤلاء لم يفهموا كتاب التاريخ ولا عرفوه ثم قال صنفته ثلاث مرات

وقد أخذه ابن راهويه فأدخله على عبد الله بن طاهر فقال أيها الأمير ألا أريك سحرا فنظر فيه عبد الله فتعجب منه وقال لست أفهم تصنيفه

وقال الفربرى حدثنى نجم بن الفضيل وكان من أهل الفهم قال رأيت النبى فى النوم خرج من قرية ومحمد بن إسماعيل خلفه فإذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على قدمه ويتبع أثره

وقال خلف الخيام سمعت أبا عمرو أحمد بن نصر الخفاف يقول محمد بن إسماعيل أعلم فى الحديث من أحمد وإسحاق بعشرين درجة ومن قال فيه شيء

فعليه منى ألف لعنة ولو دخل من هذا الباب لملئت منه رعبا

وقال أبو عيسى الترمذى كان محمد بن إسماعيل عند عبد الله بن منير فلما قام من عنده قال له يا أبا عبد الله جعلك الله زين هذه الأمة

قال أبو عيسى استجيب له فيه

وقال جعفر بن محمد المستغفرى فى تاريخ نسف وذكر البخارى لو جاز لى لفضلته على من لقى من مشايخه ولقلت ما لقى بعينه مثل نفسه

وقال إبراهيم الخواص رأيت أبا زرعة كالصبى جالسا بين يدى محمد بن إسماعيل يسأله عن علل الحديث

وقال جعفر بن محمد القطان سمعت محمد بن إسماعيل يقول كتبت عن ألف شيخ أو أكثر عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر ما عندى حديث إلا أذكر إسناده

قلت فارق البخارى بخارى وله خمس عشرة سنة ولم يره محمد بن سلام البيكندى بعد ذلك وقد قال سليم بن مجاهد كنت عند محمد بن سلام البيكندى فقال لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث

فخرجت حتى لحقته فقلت أنت تحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر ولا أجيبك بحديث عن الصحابة والتابعين إلا عرفت مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولست أروى حديثا من حديث الصحابة والتابعين إلا ولى من ذلك أصل أحفظه حفظا عن كتاب أو سنة

وقال بعضهم كنت عند محمد بن سلام البيكندى فدخل محمد بن إسماعيل فلما خرج قال محمد بن سلام كلما دخل على هذا الصبى تحيرت والتبس على أمر الحديث ولا أزال خائفا ما لم يخرج

وقال محمد بن أبى حاتم سمعت محمد بن يوسف يقول كنت عند أبى رجاء يعنى قتيبة فسئل عن طلاق السكران فقال هذا أحمد بن حنبل وابن المدينى وابن راهويه قد ساقهم الله إليك وأشار إلى محمد بن إسماعيل وكان مذهب محمد أنه إذا كان مغلوب العقل لا يذكر ما يحدث فى سكره أنه لا يجوز عليه من أمره شيء

وسمعت عبد الله بن سعيد يقول لما مات أحمد بن حرب النيسابورى ركب محمد وإسحاق يشيعان جنازته فكنت أسمع أهل المعرفة بنيسابور ينظرون ويقولون محمد أفقه من إسحاق

وعن الفربرى رأيت النبى فى المنام فقال لى أين تريد فقلت أريد البخارى فقال أقرأه منى السلام

وكان البخارى يختم القرآن كل يوم نهارا ويقرأ فى الليل عند السحر ثلثا من القرآن فمجموع ورده ختمة وثلث ختمة

وكان يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبنى باغتياب أحد

وكان يصلى ذات يوم فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة ولم يقطع صلاته ولا تغير حاله

وعن الإمام أحمد ما أخرجت خراسان مثل البخارى

وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقى البخارى فقيه هذه الأمة

وقال محمد بن إدريس الرازى وقد خرج البخارى إلى العراق ما خرج من خراسان أحفظ منه ولا قدم العراق أعلم منه

قال الحاكم أبو عبد الله سمعت أبا نصر أحمد بن محمد الوراق يقول سمعت أبا حامد أحمد بن حمدون يقول سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخارى فقبل ما بين عينيه وقال دعنى حتى أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين ومسند المحدثين ويا طبيب الحديث فى علله حدثك محمد بن سلام حدثنا مخلد بن يزيد الحرانى قال أخبرنا ابن جريج قال حدثنى موسى ابن عقبة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن النبى

فقال البخارى وحدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال حدثنى موسى بن عقبة عن سهيل بن أبى صالح عن أبيه عن أبى هريرة عن النبى فى كفارة المجلس أن يقول إذا قام من مجلسه ‏(‏ سبحانك ربنا وبحمدك ‏)‏

فقال محمد بن إسماعيل هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد فى الدنيا حديثا غير هذا إلا أنه معلول حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله

قال محمد بن إسماعيل هذا أولى ولا نذكر لموسى بن عقبة مسندا عن سهيل وهو سهيل بن ذكوان مولى جويرية وهم إخوة سهيل وعباد وصالح بنو أبى صالح وهم من أهل المدينة

وقال نسج بن سعيد كان محمد بن إسماعيل البخارى إذا كان أول ليلة من شهر رمضان تجتمع إليه أصحابه فيصلى بهم ويقرأ فى كل ركعة عشرين آية وكذلك إلى أن يختم القرآن وكان يقرأ فى السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن فيختم عند السحر فى كل ثلاث ليال وكان يختم بالنهار فى كل يوم ختمة ويكون ختمة عند الإفطار كل ليلة ويقول عند كل ختم دعوة مستجابة

وقال بكر بن منير سمعت البخارى يقول أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبنى أنى اغتبت أحدا

قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ يشهد لهذه المقالة كلامه فى الجرح والتعديل فإنه أبلغ ما يقول في الرجل المتروك أو الساقط فيه نظر أو سكتوا عنه ولا يكاد يقول فلان كذاب ولا فلان يضع الحديث وهذا من شدة ورعه

قلت وأبلغ تضعيفه قوله فى المجروح منكر الحديث

قال ابن القطان قال البخارى كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه

وقال أبو بكر الخطيب سئل العباس بن الفضل الرازى الصايغ أيهما أحفظ أبو زرعة أو البخارى فقال لقيت البخارى بين حلوان وبغداد فرجعت معه مرحلة وجهدت أن أجئ بحديث لا يعرفه فما أمكن وأنا أغرب على أبى زرعة عدد شعرى

وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما بعشرين درجة ومن قال فيه شيئا فمنى عليه ألف لعنة

ثم قال حدثنا محمد بن إسماعيل التقى النقى العالم الذى لم أر مثله

وقال محمد بن يعقوب الأخرم سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخارى نيسابور استقبله أربعة آلاف رجل على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة

وقال أبو أحمد الحاكم فى الكنى عبد الله بن الديلمى أبو بسر وقال البخارى ومسلم فيه أبو بشر بشين معجمة قال الحاكم وكلاهما أخطأ فى علمى إنما هو أبو بسر وخليق أن يكون محمد بن إسماعيل مع جلالته ومعرفته بالحديث اشتبه عليه فلما نقله مسلم من كتابه تابعه على زلته ومن تأمل كتاب مسلم فى الأسماء والكنى علم أنه منقول من كتاب محمد بن إسماعيل حذو القذة بالقذة حتى لا يزيد عليه فيه إلا ما يسهل عده وتجلد فى نقله حق الجلادة إذ لم ينسبه إلى قائله وكتاب محمد بن إسماعيل فى التاريخ كتاب لم يسبق إليه ومن ألف بعده شيئا من التاريخ أو الأسماء أو الكنى لم يستغن عنه فمنهم من نسبه إلى نفسه مثل أبى زرعة وأبى حاتم ومسلم ومنهم من حكاه عنه فالله يرحمه فإنه الذى أصل الأصول

وذكر الحاكم أبو أحمد كلاما سوى هذا

وقال محمد بن أبى حاتم رأيت أبا عبد الله استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر فى تصنيف كتاب التفسير وأتعب نفسه يومئذ فقلت إنى أراك تقول إنى ما أتيت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة فى الاستلقاء قال أتعبنا أنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العدو فأحببت أن أستريح وآخذ أهبة فإن غافصنا العدو كان بنا حراك وكان يركب إلى الرمى فما أعلم أنى رأيته فى طول ما صحبته أخطأ سهمه الهدف إلا مرتين وكان لا يسبق

وسمعته يقول ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه

قال وكان لأبى عبد الله غريم قطع عليه مالا كثيرا فبلغه أنه قدم آمل ونحن بفربر فقلنا له ينبغى أن تعبر وتأخذه بمالك فقال ليس لنا أن نروعه

ثم بلغ غريمه فخرج إلى خوارزم فقلنا ينبغى أن تقول لأبى سلمة الكشانى عامل آمل ليكتب إلى خوارزم فى أخذه فقال إن أخذت منهم كتابا طمعوا منى فى كتاب ولست أبيع دينى بدنياى

فجهدنا فلم يأخذ حتى كلمنا السلطان عن غير أمره فكتب إلى والى خوارزم

فلما بلغ أبا عبد الله ذلك وجد وجدا شديدا وقال لا تكونوا أشفق على من نفسى وكتب كتابا وأردف تلك الكتب بكتب وكتب إلى بعض أصحابه بخوارزم أن لا يتعرض لغريمه

فرجع غريمه وقصد ناحية مرو فاجتمع التجار وأخبر السلطان فأراد التشديد على الغريم فكره ذلك أبو عبد الله وصالح غريمه على أن يعطيه كل سنة عشرة دراهم شيئا يسيرا وكان المال خمسة وعشرين ألفا ولم يصل من ذلك إلى درهم ولا إلى أكثر منه

سمعت أبا عبد الله يقول ما توليت شراء شيء قط ولا بيعه

قلت فمن يتولى أمرك فى أسفارك

قال كنت أكفى أمر ذلك

وذكر بكر بن منير أنه حمل إلى البخارى بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع به بعض التجار فطلبوها منه بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجار آخرون فطلبوها منه بربح عشرة آلاف درهم فقال إنى نويت البارحة بيعها للذين أتوا البارحة

قلت وقال محمد بن أبى حاتم سمعت أبا عبد الله يقول ما ينبغى للمسلم أن يكون بحالة إذا دعى لم يستجب له

قال وسمعته يقول خرجت إلى آدم بن أبى إياس فتخلفت عنى نفقتى حتى جعلت أتناول الحشيش ولا أخبر بذلك أحدا فلما كان اليوم الثالث آتانى أت لم أعرفه فناولنى صرة دنانير وقال أنفق على نفسك

وسمعت سليم بن مجاهد يقول ما رأيت بعينى منذ ستين سنة أفقه ولا أورع ولا أزهد فى الدنيا من محمد بن إسماعيل

واعلم أن مناقب أبى عبد الله كثيرة فلا مطمع فى استيعاب غالبها والكتب مشحونة به وفيما أوردناه مقنع وبلاغ

قصته مع محمد بن يحيى الذهلى

قال الحسن بن محمد بن جابر قال لنا الذهلى لما ورد البخارى نيسابور اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح فاسمعوا منه فذهب الناس إليه وأقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل فى مجلس الذهلى فحسده بعد ذلك وتكلم فيه

وقال أبو أحمد بن عدى ذكر لى جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل لما ورد نيسابور واجتمعوا عليه حسده بعض المشايخ فقال لأصحاب الحديث إن محمد ابن إسماعيل يقول اللفظ بالقرآن مخلوق فامتحنوه

فلما حضر الناس قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول فى اللفظ بالقرآن مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه ولم يجبه فأعاد السؤال فأعرض عنه ثم أعاد فالتفت إليه البخارى وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحان بدعة

فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخارى فى منزله

قال محمد بن يوسف الفربرى سمعت محمد بن إسماعيل يقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقد حدثنا على بن عبد الله حدثنا مروان بن معاوية حدثنا أبو مالك عن ربعى عن حذيفة قال قال النبى ‏(‏ إن الله يصنع كل صانع وصنعته ‏)‏ وسمعت عبيد الله بن سعيد سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعال العباد مخلوقة

قال البخارى حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المثبت فى المصاحف المسطور المكتوب الموعى فى القلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى ‏{‏بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏}

وقال يقال فلان حسن القراءة وردئ القراءة ولا يقال حسن القرآن ولا ردئ القرآن وإنما ينسب إلى العباد القراءة لأن القرآن كلام الرب والقراءة فعل العبد وليس لأحد أن يشرع فى أمر الله بغير علم كما زعم بعضهم أن القرآن بألفاظنا وألفاظنا به شيء واحد والتلاوة هى المتلو والقراءة هى المقروء

فقيل له إن التلاوة فعل القارئ وعمل التالى

فرجع وقال ظننتهما مصدرين

فقيل له هلا أمسكت كما أمسك كثير من أصحابك ولو بعثت إلى من كتب عنك واسترددت ما أثبت وضربت عليه

فزعم أن كيف يمكن هذا وقال قلت ومضى

فقلت له كيف جاز لك أن تقول فى الله شيئا لا تقوم به شرحا وبيانا إذا لم تميز بين التلاوة والمتلو فسكت إذ لم يكن عنده جواب

وقال أبو حامد الأعمشى رأيت البخارى فى جنازة سعيد بن مروان والذهلى يسأله عن الأسماء والكنى والعلل ويمر فيه البخارى مثل السهم فما أتى على هذا شهر حتى قال الذهلى ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتينا فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه تكلم فى اللفظ ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه

قلت كان البخارى على ما روى وسنحكى ما فيه ممن قال لفظى بالقرآن مخلوق

وقال محمد بن يحيى الذهلى من زعم أن لفظى بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلم ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر

وإنما أراد محمد بن يحيى والعلم عند الله ما أراده أحمد بن حنبل كما قدمناه فى ترجمة الكرابيسى من النهى عن الخوض فى هذا ولم يرد مخالفة البخارى وإن خالفه وزعم أن لفظه الخارج من بين شفتيه المحدثتين قديم فقد باء بأمر عظيم والظن به خلاف ذلك وإنما أراد هو وأحمد وغيرهما من الأئمة النهى عن الخوض فى مسائل الكلام وكلام البخارى عندنا محمول على ذكر ذلك عند الاحتياج إليه فالكلام فى الكلام عند الاحتياج واجب والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنة

فافهم ذلك ودع خرافات المؤرخين واضرب صفحا عن تمويهات الضالين الذين يظنون أنهم محدثون وأنهم عند السنة واقفون وهم عنها مبعدون وكيف يظن بالبخارى أنه يذهب إلى شيء من أقوال المعتزلة وقد صح عنه فيما رواه الفربرى وغيره أنه قال إنى لأستجهل من لا يكفر الجهمية

ولا يرتاب المنصف فى أن محمد بن يحيى الذهلى لحقته آفة الحسد التى لم يسلم منها إلا أهل العصمة

وقد سأل بعضهم البخارى عما بينه وبين محمد بن يحيى فقال البخارى كم يعترى محمد بن يحيى الحسد فى العلم والعلم رزق الله يعطيه من يشاء

ولقد ظرف البخارى وأبان عن عظيم ذكائه حيث قال وقد قال له أبو عمرو الخفاف إن الناس خاضوا فى قولك لفظى بالقرآن مخلوق يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك من زعم من أهل نيسابور وقومس والرى وهمذان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أنى قلت لفظى بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإنى لم أقله إلا أنى قلت أفعال العباد مخلوقة

قلت تأمل كلامه ما أذكاه ومعناه والعلم عند الله إنى لم أقل لفظى بالقرآن مخلوق لأن الكلام فى هذا خوض فى مسائل الكلام وصفات الله التى لا ينبغى الخوض فيها إلا للضرورة ولكنى قلت أفعال العباد مخلوقة وهى قاعدة مغنية عن تخصيص هذه المسألة بالذكر فإن كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة فألفاظنا مخلوقة

لقد أفصح بهذا المعنى فى رواية أخرى صحيحة عنه رواها حاتم بن أحمد بن الكندى قال سمعت مسلم بن الحجاج فذكر الحكاية وفيها أن رجلا قام إلى البخارى فسأله عن اللفظ بالقرآن فقال أفعالنا مخلوقة وألفاظنا من أفعالنا

وفى الحكاية أنه وقع بين القوم إذ ذاك اختلاف على البخارى فقال بعضهم قال لفظى بالقرآن مخلوق وقال آخرون لم يقل

قلت فلم يكن الإنكار إلا على من يتكلم فى القرآن

فالحاصل ما قدمناه فى ترجمة الكرابيسى من أن أحمد ابن حنبل وغيره من السادات الموفقين نهوا عن الكلام فى القرآن جملة وإن لم يخالفوا فى مسألة اللفظ فيما نظنه فيهم إجلالا لهم وفهما من كلامهم فى غير رواية ورفعا لمحلهم عن قول لا يشهد له معقول ولا منقول ومن أن الكرابيسى والبخارى وغيرهما من الأئمة الموفقين أيضا أفصحوا بأن لفظهم مخلوق لما احتاجوا إلى الإفصاح هذا إن ثبت عنهم الإفصاح بهذا وإلا فقد نقلنا لك قول البخارى أن من نقل عنه هذا فقد كذب عليه

فإن قلت إذا كان حقا لم لا يفصح به

قلت سبحان الله قد أنبأناك أن السر فيه تشديدهم فى الخوض فى علم الكلام خشية أن يجرهم الكلام فيه إلى ما لا ينبغى وليس كل علم يفصح به فاحفظ ما نلقيه إليك واشدد عليه يديك

ويعجبنى ما أنشده الغزالى فى منهاج العابدين لبعض أهل البيت

إنى لأكتم من علمى جواهره ** كى لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا

يا رب جوهر علم لو أبوح به ** لقيل لى أنت ممن يعبد الوثنا

ولاستحل رجال صالحون دمى ** يرون أقبح ما يأتونه حسنا

وقد تقدم فى هذا أبو حسن ** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا

ذكره النبأ عن وفاته رضى الله عنه

قال ابن عدى سمعت عبد القدوس بن عبد الجبار السمرقندى يقول جاء البخارى إلى خزتنك قرية من قرى سمرقند على فرسخين منها وكان له بها أقرباء ينزل عندهم قال فسمعته ليلة وقد فرغ من صلاة الليل يقول فى دعائه اللهم إنى ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضنى إليك

قال فما تم الشهر حتى قبضه الله وقبره بخرتنك

وعن عبد الواحد بن آدم الطواويسى رأيت النبى فى المنام ومعه جماعة من أصحابه فسلمت عليه فرد على السلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله فقال ‏(‏ أنتظر محمد بن إسماعيل البخارى ‏)‏ فلما كان بعد أيام بلغنى موته فنظرنا فإذا هو قد مات فى الساعة التى رأيت النبى فيها

قال الحاكم أبو عبد الله سمعت أبا صالح خلف بن محمد بن إسماعيل البخارى يقول سمعت أبا حسان مهيب بن سليم الكرمانى يقول مات محمد بن إسماعيل رحمه الله عندنا ليلة الفطر أول ليلة من شوال سنة ست وخمسين ومائتين وكان بلغ عمره اثنتين وستين سنة غير ثنتى عشرة ليلة وكان مولده فى شوال سنة أربع وتسعين ومائة وكان فى بيت وحده فوجدناه لم أصبحنا وهو ميت

وقال بكر بن منير بن خليد البخارى بعث الأمير خالد بن أحمد الذهلى متولى بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلى كتاب الجامع والتاريخ وغيرهما لأسمع منك

فقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولا أحمله إلى أبواب الناس فإن كان له إلى شيء منه حاجة فليحضر فى مسجدى أو فى دارى وإن لم يعجبه هذا فإنه سلطان فليمنعنى من الجلوس ليكون لى عذر عند الله يوم القيامة لئلا أكتم العلم فكان هذا سبب الوحشة بينهما

وقال أبو بكر بن أبى عمرو البخارى كان سبب منافرة البخارى أن خالد بن أحمد خليفة الظاهرية ببخارى سأله أن يحضر منزله فيقرأ الجامع والتاريخ على أولاده فامتنع فراسله بأن يعقد مجلسا خاصا لهم فامتنع وقال لا أخص أحدا فاستعان عليه بحريث بن أبى الورقاء وغيره حتى تكلموا فى مذهبه ونفاه عن البلد فدعا عليهم فلم يأت إلا شهر حتى ورد أمر الظاهرية بأن ينادى على خالد فى البلد فنودى عليه على أتان وأما حريث فابتلى بأهله ورأى فيها ما يجل عن الوصف وأما فلان فابتلى بأولاده

رواها الحاكم عن محمد بن العباس الضبى عن أبى بكر هذا

وحريث بن أبى الورقاء من كبار فقهاء الرأى ببخارى

قال محمد بن أبى حاتم سمعت غالب بن جبريل وهو الذى نزل عليه أبو عبد الله يقول أقام أبو عبد الله عندنا أياما فمرض واشتد به المرض حتى جاء رسول إلى سمرقند بإخراجه فلما وافى تهيأ للركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضده ورجل آخر معى يقود الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلونى فقد ضعفت فدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه من العرق شيء لا يوصف فما سكن منه العرق إلى أن أدرجناه فى ثيابه

وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أن كفنونى فى ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك

فلما دفناه فاح من تراب قبره رائحة غالية فدام على ذلك أياما ثم علت سوارى بيض فى السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون

وأما التراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم يكن يقدر على حفظ القبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحد يقدر على الوصول إلى القبر

وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدث أهل البلدة وتعجبوا من ذلك

وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعض مخالفيه إلى قبره وأظهر التوبة والندامة

قال محمد ولم يعش غالب بعده إلا القليل ودفن إلى جانبه

وقال أبو على الغسانى الحافظ أخبرنا أبو الفتح نصر بن الحسن السكنى السمرقندى قدم علينا بلنسية عام أربع وستين وأربعمائة قال قحط المطر عندنا بسمرقند فى بعض الأعوام فاستسقى الناس مرارا فلم يسقوا فأتى رجل صالح معروف بالصلاح إلى قاضى سمرقند فقال له إنى قد رأيت رأيا أعرضه عليك

قال وما هو قال أرى أن تخرج ويخرج الناس معك إلى قبر الإمام محمد بن إسماعيل البخارى ونستسقى عنده فعسى الله أن يسقينا فقال القاضى نعم ما رأيت

فخرج القاضى والناس معه واستسقى القاضى بالناس وبكى الناس عند القبر وتشفعوا بصاحبه فأرسل الله تعالى السماء بماء عظيم غزير فقام الناس من أجله بخرتنك سبعة أيام أو نحوها لا يستطيع أحد الوصول إلى سمرقند من كثرة المطر وغزارته وبين سمرقند وخرتنك نحو ثلاثة أميال

قلت وأما الجامع الصحيح وكونه ملجأ للمعضلات ومجربا لقضاء الحوائج فأمر مشهور ولو اندفعنا فى ذكر تفصيل ذلك وما اتفق فيه لطال الشرح

ذكر نخب وفوائد ولطائف عن أبى عبد الله

قال الحاكم أبو عبد الله ومن شعر البخارى قرأت بخط أبى عمرو المستملى وأنشد البخارى

اغتنم فى الفراغ فضل ركوع ** فعسى أن يكون موتك بغته

كم صحيح رأيت من غير سقم ** ذهبت نفسه الصحيحة قلته

قال وأنشد البخارى

خالق الناس بخلق واسع ** لا تكن كلبا على الناس تهر

قال وأنشد أبو عبد الله

مثل البهائم لا ترى آجالها ** حتى تساق إلى المجازر تنحر

قال وأنشد البخارى

إن تبق تفجع بالأحبة كلهم ** وفناء نفسك لا أبا لك أفجع

قلت هذا أحسن وأجمع من قول القائل

ومن يعمر يلق فى نفسه ** ما يتمناه لأعدائه

ومن قول الطغرائى

هذا جزاء امرىء أقرانه درجوا ** من قبله فتمنى فسحة الأجل

وهى من قصيدته التى تسمى لامية العجم وهى هذه

أصالة الرأى صانتنى عن الخطل ** وحلية الفضل زانتنى لدى العطل

مجدى أخيرا ومجدى أولا شرع ** والشمس رأد الضخى كالشمس فى الطفل

فيم الإقامة بالزوراء لا سكنى ** بها ولا ناقتى فيها ولا جملى

ناء عن الأهل صفر الرحل منفرد ** كالسيف عرى متناه من الخلل

فلا صديق إليه مشتكى حزنى ** ولا أنيس لديه منتهى جذلى

طال اغترابى حتى حن راحلتى ** ورحلها وقرى العسالة الذبل

وضج من لغب نضوى وعج لما ** يلقى ركابى ولج الركب فى عذلى

أريد بسطة كف أستعين بها ** على قضاء حقوق للعلى قبلى

والدهر يعكس آمالى ويقنعنى ** من الغنيمة بعد الكد بالقفل

وذى شطاط كصدر الرمح معتقل ** لمثله غير هياب ولا وكل

حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت ** بقوة البأس منه رقة الغزل

طردت سرح الكرى عن ورد مقلته ** والليل أغرى سوام النوم بالمقل

والركب ميل على الأكوار من طرب ** صاح وآخر من خمر الكرى ثمل

فقلت أدعوك للجلى لتنصرنى ** وأنت تخذلنى فى الحادث الجلل

تنام عينى وعين النجم ساهرة ** وتستحيل وصبغ الليل لم يحل

فهل تعين على غى هممت به ** والغى يزجر أحيانا عن الفشل

إنى أريد طروق الجزع من إضم ** وقد حماه رماة الحى من ثعل

يحمون بالبيض والسمر اللدان به ** سود الغدائر حمر الحلى والحلل

فسر بنا فى ذمام الليل مهتديا ** فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل

فالحب حيث العدى والأسد رابضة ** حول الكناس لها غاب من الأسل

نوم ناشيءة بالجزع قد سقيت ** نصالها بمياه الغنج والكحل

قد زاد طيب أحاديث الكرام بها ** ما بالكرائم من جبن ومن بخل

تبيت نار الهوى منهن فى كبد ** حرى ونار القرى منهم على القلل

يقتلن أنضاء حب لا حراك به ** وينحرون كرام الخيل والإبل

يشفى لديغ العوالى فى بيوتهم ** بنهلة من غدير الخمر والعسل

لعل إلمامة بالجزع ثانية ** يدب منها نسيم البرء فى عللى

لا أكره الطعنة النجلاء قد شفعت ** برشقة من نبال الأعين النجل

ولا أهاب الصفاح البيض تسعدنى ** باللمح من صفحات البيض فى الكلل

ولا أخل بغزلان أغازلها ** ولو دهتنى أسود الغيل بالغيل

حب السلامة يثنى هم صاحبه ** عن المعالى ويغرى المرء بالكسل

فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا ** فى الأرض أو مصعدا فى الجو فاعتزل

ودع غمار العلى للمقدمين على ** ركوبها واقتنع منهن بالبلل

رضا الذليل بخفض العيش مسكنة ** والعز عند رسيم الأينق الذلل

فادرأ بها فى نحور البيد جافلة ** معارضات مثانى اللجم بالجدل

إن العلى حدثتنى وهى صادقة ** فيما تحدث أن العز فى النقل

لو أن فى شرف المأوى بلوغ علا ** لم تبرح الشمس يوما دارة الحمل

أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا ** والحظ عنى بالجهال فى شغل

لعله إن بدا فضلى ونقصهم ** لعينه نام عنهم أو تنبه لى

أعلل النفس بالآمال أرقبها ** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

لم أرض بالعيش والأيام مقبلة ** فكيف أرضى وقد ولت على عجل

غالى بنفسى عرفانى بقيمتها ** فصنتها عن رخيص القدر مبتذل

وعادة النصل أن يزهى بجوهره ** وليس يعمل إلا فى يدى بطل

ما كنت أوثر أن يمتد بى زمنى ** حتى أرى دولة الأوغاد والسفل

تقدمتنى رجال كان شوطهم ** وراء خطوى لو أمشى على مهل

هذا جزاء امرىء أقرانه درجوا ** من قبله فتمنى فسحة الأجل

وإن علانى من دونى فلا عجب ** لى أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فاصبر لها غير محتال ولا ضجر ** فى حادث الدهر ما يغنى عن الحيل

أعدى عدوك أدنى من وثقت به ** فحاذر الناس واصحبهم على دخل

وإنما رجل الدنيا وواحدها ** من لا يعول فى الدنيا على رجل

وحسن ظنك بالأيام معجزة ** فظن شرا وكن منها على وجل

غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت ** مسافة الخلف بين القول والعمل

وشان صدقك عند الناس كذبهم ** وهل يطابق معوج بمعتدل

إن كان ينجع شىء فى ثباتهم ** على العهود فسبق السيف للعذل

يا واردا سؤر عيش كله كدر ** أنفقت صفوك فى أيامك الأول

فى م اعتراضك لج البحر تركبه ** وأنت يكفيك منه مصة الوشل

ملك القناعة لا يخشى عليه ولا ** يحتاج فيه إلى الأنصار والخول

ترجو البقاء بدار لا ثبات لها ** فهل سمعت بظل غير منتقل

أيا خبيرا على الأسرار مطلعا ** اصمت ففى الصمت منجاة من الزلل

قد رشحوك لأمر لو فطنت له ** فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

فى صحيح البخارى عن الحسن أن من عليه صوم رمضان إذا مات فصام عنه ثلاثون رجلا فى يوم واحد أجزأه

فرع غريب

يقع تفريعا على القول بأنه يصام عن الميت وقد ذكره النووى فى شرح المهذب وقال لم أر لأصحابنا فيه كلاما قال وهو الظاهر

وكذلك قال الوالد فى شرح المنهاج إن ما قاله الحسن هو الظاهر الذى نعتقده

استدل البخارى على جواز النظر إلى المخطوبة بقول النبى لعائشة رضى الله عنها ‏(‏ رأيتك فى المنام يجىء بك الملك فى سرقة من حرير فقال لى هذه امرأتك فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هى ‏)‏

قال الوالد رحمه الله فى شرح المنهاج وهذا استدلال حسن لأن فعل النبى فى النوم واليقظة سواء وقد كشف عن وجهها

ذكر أبو عاصم العبادى أن الساجى قال حدثنا محمد بن إسماعيل عن الحسين عن الشافعى أنه قال يكره أن يقول الرجل قال الرسول بل يقول قال رسول الله ليكون معظما انتهى

والحسين هو الكرابيسى ومحمد بن إسماعيل هو البخارى فيما ذكر أبو عاصم

ورأيت بخط ابن الصلاح أحسب أبا عاصم واهما ومحمد بن إسماعيل هذا هو السلمى

نقلت من خط الشيخ الإمام رحمه الله قال ابن بشكوال فى الصلة فى تاريخ الأندلس فى ترجمة عبد الله بن محمد بن عبد البر والد أبى عمر وقد جوز البخارى أن يحدث الرجل عن كتاب أبيه بتبيين أنه خطه دون خط غيره

قال الوالد قوله دون خط غيره إن كان المراد بتبين أن ليس خط غيره فهو موافق لما قاله الناس وإن كان المراد أنه لا يحدث عن خط غيره فغير معروف

51 محمد بن عاصم بن يحيى أبو عبد الله الأصبهانى كاتب القاضى

رحل وأخذ عن أصحاب الشافعى وابن وهب

وسمع من على بن حرب وسلمة بن شبيب

روى عنه أحمد بن بندار والطبرانى وغيرهما

قال أبو الشيخ صنف كتبا كثيرة

توفى سنة تسع وتسعين ومائتين

52 محمد بن عبد الله بن مخلد أبو الحسين الأصبهانى

يعرف بصاحب الشافعى وبوراق الربيع بن سليمان

نزل مصر وحدث عن قتيبة بن سعيد ومحمد بن أبى بكر المقدمى وهانئ ابن المتوكل وداود بن رشيد وجماعة

روى عنه ابن جوصا وغيره

توفى سنة اثنتين وسبعين ومائتين

وقال أبو نعيم بل بعد ذلك

53 محمد بن على البجلى القيروانى

‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏

54 محمد بن عقيل الفريابى أبو سعيد وعقيل بضم العين ثم قاف مفتوحة

من أصحاب أبى إسماعيل المزنى والربيع بن سليمان

حدث بمصر عن قتيبة بن سعيد وداود بن مخراق وجماعة

وعنه على بن محمد المصرى الواعظ وأبو محمد بن الورد وأبو طالب أحمد بن نصر وغيرهم

وكان من الفقهاء الشافعيين بمصر

توفى بها فى صفر سنة خمس وثمانين ومائتين

قال البيهقى فى كتاب المدخل أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنى أبو عبد الله الزبير بن عبد الواحد الحافظ الأسداباذى قال سمعت أبا سعيد محمد بن عقيل الفريابى يقول قال المزنى أو الربيع كنا يوما عند الشافعى بين الظهر والعصر عند الصحن فى الصفة والشافعى قد استند إما قال إلى الأسطوانة وإما قال إلى غيرها إذ جاء شيخ عليه جبة صوف وعمامة صوف وإزار صوف وفى يده عكازه قال فقام الشافعى وسوى عليه ثيابه واستوى جالسا قال وسلم الشيخ وجلس وأخذ الشافعى ينظر إلى الشيخ هيبة له إذ قال له الشيخ أسأل

قال الشافعى سل قال أيش الحجة فى دين الله

فقال الشافعى كتاب الله

قال وماذا قال وسنة رسول الله

قال وماذا

قال اتفاق الأمة

قال من أين قلت اتفاق الأمة

قال من كتاب الله

قال من أين فى كتاب الله

قال فتدبر الشافعى ساعة

فقال الشيخ قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها فإن جئت بحجة من كتاب الله فى الاتفاق وإلا تب إلى الله عز وجل

قال فتغير لون الشافعى ثم إنه ذهب فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن

قال فخرج إلينا فى اليوم الثالث فى ذلك الوقت يعنى بين الظهر والعصر وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام فجلس قال فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ فسلم وجلس فقال حاجتى

فقال الشافعى نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل ‏{‏وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا‏}‏ لا نصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض

فقال صدقت وقام وذهب

قال الفريابى قال المزنى أو الربيع قال الشافعى لما ذهب الرجل قرأت القرآن فى كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه

قلت إن ثبتت هذه الحكاية فيمكن أن يكون هذا الشيخ الخضر عليه السلام وقد فهمه الشافعى حين أجله واستمع له وأصغى لإغلاظه فى القول واعتمد إشارته وسند هذه الحكاية صحيح لا غبار عليه

55 محمد بن على بن الحسن بن بشر المحدث الزاهد أبو عبد الله الحكيم الترمذى

الصوفى صاحب التصانيف

سمع الكثير من الحديث بخراسان والعراق

وحدث عن أبيه وعن قتيبة بن سعيد وصالح بن عبد الله الترمذى وصالح بن محمد الترمذى وعلى بن حجر السعدى ويعقوب الدورقى وسفيان بن وكيع وغيرهم

روى عنه يحيى بن منصور القاضى وغيره من علماء نيسابور فإنه حدث بها فى سنة خمس وثمانين ومائتين

لقى الحكيم أبو عبد الله أبا تراب النخشبى وصحب يحيى بن الجلاء

قال أبو عبد الرحمن السلمى نفوه من ترمذ وأخرجوه منها وشهدوا عليه بالكفر وذلك بسبب تصنيفه كتاب ختم الولاية وكتاب علل الشريعة وقالوا إنه يقول إن للأولياء خاتما كما أن للأنبياء خاتما وإنه يفضل الولاية على النبوة واحتج بقوله عليه السلام ‏(‏يغبطهم النبيون والشهداء‏)‏ وقال لولم يكونوا أفضل منهم لم يغبطوهم فجاء إلى بلخ فقبلوه بسبب موافقته إياهم على المذهب ثم اعتذر السلمى عنه ببعد فهم الفاهمين

قلت ولعل الأمر كما زعم السلمى وإلا فما نظن بمسلم أنه يفضل بشرا غير الأنبياء عليهم السلام على الأنبياء

ومن تصانيف الترمذى كتاب الفروق لا بأس به بل ليس فى بابه مثله يفرق فيه بين المداراة والمداهنة والمحاجة والمجادلة والمناظرة والمغالبة والانتصار والانتقام وهلم جرا من أمور متقاربة المعنى وله أيضا كتاب غرس الموحدين وكتاب عود الأمور وكتاب المناهى وكتاب شرح الصلاة